الثلاثاء، 28 يناير 2014

الحرية و الحتمية :


الـــــــــــــــــــــــــــحرية

مقـدمة :

إن الإنسان لهو في الأصل موجود طبيعي و لكنه بين كائنات الطبيعة جميعا أشدها حنينا إلى التخلص من جبرية الظواهر، و أقواها نزعا نحو التحرر من أسر الضرورة، و على الرغم أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي لا يكاد يكف عن تكذيب شهادة شعوره، واضعا وجود نفسه موضع تساؤل و من هنا فإننا ما نكاد نتحدث عن مشكلة الحرية حتى يتملكنا دوار عقلي عنيف فإننا نعرف أن هذه المشكلة هي مشكلة صراعه مع الطبيعة و المجتمع و الماضي و الله نفسه.و قد حاول الإنسان أن يحطم هؤلاء الأغيار حتى يثبت لنفسه أنه حر فكم يلبث أن و جد نفسه وحيدا لا تستند حريته إلى شيء. ثم خيل إليه أن لديه من الإرادة ما يستطيع معه أن يبرهن عمليا على حريته فسرعان ما وقع فريسة لإرادة الفناء التي هي قضاء على كل إرادة.
و لكن ماذا عسى أن تكون هذه الحرية التي أراد الإنسان أن يجعل منها بداية مطلقه أو
خلقا من العدم؟ أ تكون هذه القدرة البشرية الفائقة مجرد تفسير عن نزوع الإنسان نحو الألوهية؟ أم هل تكون الحرية مجرد صدا عقلي لذلك النزوع الوجداني الذي ترفع الإنسان إلى أن ينشد القدرة المطلقة ؟ أم هل نقول إن الحرية هي منحة خبيثة توقعنا في الشر والهوى دون أن يكون في وسعنا يوما أن نتنازل عنها؟ و بتعبير آخر هل الإنسان حر فيما يأتيه و ما يصدر عنه من أفعال أم أنه خاضع لقوى خارجية أو داخلية لا يعلم منها شيئا ؟ و بالتالي هل يتحمل الإنسان مسؤولية أفعاله أم أنه قاصر تسقط عنه المسؤولية مادام ناصفا للقانون و الضرورة شأنه شأن الأشياء الفسيحة ؟ و من هذا هل الإنسان مخير أم مسير؟ و ماذا يعني أن يكون الإنسان حرا؟ أفي إتيان ما يريد أو في الامتناع عن تحقيق دوافعه أم في الجمود و الخمول و الفتور؟ أو ما علاقة الحرية بالإرادة؟ و إذا كان الإنسان كائنا حرا إجتماعيا يعيش داخل دولة تحكمها القوانين في علاقة الحرية بالدولة وبالتالي ما علاقتها بالقانون؟ هل الدولة ترسيخ لحرية الفرد من خلال تصنعه من حقوق وما تفرض عليه من قوانين وواجبات؟أليس في القوانين المفروضة عليه قضاء على حريته و إلغاء لمفهوم الحرية؟ ألا تكون الدولة تقييدا أو استعبادا لنا؟وإذا سلمنا بالحرية داخل الدولة مادامت تضمن لنا حقوقنا :فما هو الحد المشروع الذي ينبغي أن تتوفق عليه سيادة الفرد نفسه؟ و أين تبدأ سلطة المجتمع؟ و ما هو القدر الذي ينبغي أن نعهد به إلى الفردية؟ و القدر الذي الذي ينبغي أن نعهد به إلى المجتمع في صميم سيادتنا البشرية؟
I - الحرية و الحتمية :
الواقع أن الحرية لا يمكن أن تفهم إلا في ضوء نقيضها ،لأنها لو كانت مطلقة لأصبحت كلمة جوفاء لا تعني شيئا و لا تدل على أي شيء . حقا إن بعض الفلاسفة يأبى أن ننسب إلى الحرية مفهوما سلبيا لأنه لا يريد أن تكون الحرية مجرد إنكار للضرورة و لكن من المؤكد أن فهم الضرورة قد يساعدنا على تحديد معنى الحرية، و قد ظهرت الضرورة عند اليونان أول ما ظهرت على صورة فكرة القدر، فترددت في المأساة اليونانية باعتبارها تلك الضرورة التي لا يمكن للإنسان أن يخضع لها ولكن اليونان تصوروا الضرورة على نحوين فقالوا أولا بوجود ضرورة عمياء يخضع لها الآلهة والناس و الكائنات على حد سواء وقالوا ثانيا توجد ضرورة أخرى يقتضيها القانون الأخلاقي الذي يخضع له المرء حتى يسير في حياته سيرا مستقيما .
فإذا ما نظرنا إلى مذاهب فلاسفة اليونان، نجد أن الضرورة قد ظهرت عند ليوكبس الذي قال : يوجد قانون يسبب انفصال الذرات من الخليط الأول و انحدارها من الكون من أجل تكوين الأشياء كما ظهرت عند أفلاطون الذي جعل من الضرورة آلهة تحت مركز العالم كما وردت عند أفلاطون في أسطور الإرER الذي تجعل الكون يدور حول محور من الضرورة ثم ظهر هذا التعارض بين الضرورة والحرية بشكل واضح عند مفكري اليونان حينما ناصر الأبيقوريون الحرية بينما نادى الرواقيون بالضرورة.

1 - العقل بين الجبر و الاختيار 
لقد تحول التفكير في الحرية داخل الثقافات الإسلامية إلى التفكير في علاقة في علاقة الفعل الإنساني بالفعل الإلهي و قد شكل هذا الموضوع أحد أهم النقاشات التي عرفها علم الكلام . فالجبرية قالت بان الإنسان موجد لأفعاله وخالق لها إذ لو افترضنا أن الإنسان موجد لأفعاله و خالقا لها، فقد سلمنا بان ثمة أفعال لاتجري على مشيئة الله و اختياره، و قلنا يوجد خالق ثان غير الله بيد أن الحرية تقدم لها نصيرا بين مفكري الإسلام في شخص المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن الإنسان خالق لأفعاله لان القول بعكس ذلك يبطل التكليف بهدم الدين أم الأشاعرة فقد حاولوا الجمع بين الموقفين ماسمي بنظرية الكسب.
ولما اشتد الخلاف في الإسلام بين أنصار الحرية و خصومها ظهر محاولات جديدة بقصد التوفيق بين القول بإرادة حرة و القول بالقضاء و والقدر يقول ابن رشد (إن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي عبارة عن أضداد، و لكن اكتساب تلك الأشياء لا يتحقق لنا إلى بمواتات أسباب سخرها الله لنا من خارج فالأفعال المشوبة إلينا تتم بالأمرين معا أعني بإرادتنا و بالأسباب الخارجية) حتى إن ابن رشد سلم بحرية إرادتنا لكنه لا يذكرون وجود الضرورة أصلا يقول : إذا و رد علينا أمر مشتها من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار و تحركنا إليه. تكون إرادتنا الباطنية معلولة للأسباب الخارجية ليس إلا توكيدا للنظرية القائلة بالقضاء و العدل بهذا يضحي ابن رشد بالحرية لحساب حريته لا هوتية.
2- الحرية و الحتمية
في إطار إشكال علاقة الحرية الإنسانية مع الحتمية و الضرورة ينفي اسينوزا الحرية على الفعل الإنساني وعن كافة الأشياء الأخرى و يعتبر المخلوقات جميعها محددة بعلل خارجية بمعنى أنها خاضعة لمنطق الحتمية. و هي لايعدم حجة يدافع بها عن رأيه : لنتصور مثلا حجرا متدحرجا بقوة خارجية يستمر بعدها هذا الحجر في حركته رغم توقف القوة الدافعة له و هذا الاستمرار هو فعل إكراه بسبب العلة الخارجية. وهب أن هذا الحجر قادر على التفكير ففي هذه الحالة سيعتقد أنه حر في إرادة التحرك لأنه لا يعي سوء الجهد الذي يبذله له و يجهل تماما العلل الخارجية التي تتحكم في فعله حقيقة يقول اسينوزا : عن النفس لا تنطوي على أية إرادة حرة أو مطلقة بل هي مجبورة على أن تريد هذا أو ذاك بمقتضى علة هي أيضا مشروط بعلة أخرى، و هذه العلة محددة بدور علة أخرى و هكذا إلى مالا نهاية. و هكذا كل ما يحدث في الوجود يرجع في نهاية الأمر إلى تلك العلة الأخرى أي انه يصدر ضرورة عن طبيعة الله المطلقة بيد أن اسبينوزا يقول في موضع إن الإنسان الحر هو ذلك الذي يعمل وفقا لمناهج العقل، فلا يكون سلوكه ناجم عن الخوف من الموت، بل يكون مبعثه الرغبة في الخير رغبة مباشرة و معنى هذا إن اسبينوزا يقول بنوع من الجبرية الخلقية.
أما كانط فيعتبر الحرية خاضعة لنوع من أنواع السلبية ألازماني يقول على القدرة على تأسيس حالة ما تأسيسها ذاتيا و هكذا تكون الحرية عن فكرة متعالية عن التجربة و إذا كان سبب الحرية لازما بنا فإن السبب الطبيعي حسب كانط يقوم على الترابط المنطقي بين السابق و اللاحق و من الجدير بالملاحظة عند كانط الإشارة إلى أن الحرية بالمفهوم العلمي تعني الاستقلال في الحكم عن إكراهات ميول الحساسية. حسب كانط إذن إننا خاضعون لقوانين الضرورة في جانبنا الذي يخضع للزمان و يتحقق في عالم التجربة و بذلك فإن أفعالنا مرتبطة ارتباطا ضروريا لما قد تقدمها. و في وسعنا أن نقرر أننا أحرار في طابعنا الخلقي حسنا كان أم رديئا، و نحن الذين نخلق بأنفسنا هذا الطابع الخلقي بفعل حر حال على الزمان بل قد تكون ذاتنا الحقيقية المعقولة هي التي تريد أن تكون خيرة أو شريرة بفعل لا زماني،فتجيئ حياتنا الزمنية فتكون بمثابة تغير مرئي عن ذلك لاجتياز الأصلي الذي تحققه الذات المتعالية. و هكذا يقرر كانط أننا أحرار مجبرون فنحن أحرار إذا نضرنا إلى ذاتنا المتعالية على الزمان و نحن مجبرون إذا نظرنا إلى ذاتنا التي تتحقق في الزمان.
و في الفلسفة المعاصرة يرفض ميرلوبونتي فكرة الحرية المطلقة كما تصورها سارتر كما يرفض فكرة الحتميات الطبيعية و النفسية و الاجتماعية المعتمدة في العلوم الإنسانية . فالإنسان كائن موضوعي موجود في العالم ومع الآخرين و وجودهم معطى تلقائي محكوم بعوامل تاريخية و نفسية و اجتماعية لكنه في خضم هذه الإكراهات و العوامل المترابطة يستطيع تغيير تجاه حياته، كما يستطيع أن يمنحها معنى بشكل حر و إرادي، إنها عوامل ليست ضرورة حتمية بل عرضية يمكنها أن تحدث أو لا تحدث.
و يذهب العروي إلى أن أغلب العلماء الطبيعيين يتكون في مبدأ الحرية الإنسانية و يعتبرون أن الشعور الذاتي بها يخفي جميلا مؤقتا بالدوافع الحقيقية لاختيارات البشر، إذا كان العلم في بداية العهد الحديث اعتبر وسيلة لتحرير الإنسان من قيود الطبيعة فإن التجربة أظهرت في هذا القرن أن العلم قد يخدم الحرية كما يحاصرها و يقضي عليها.
- IIالحرية و الإرادة :
1- حرية الإرادة 
تتحدد الحرية في مدلولها العام ، بأنها الفعل الإنساني الغير المقيد ، أما في لسان العرب فإن الحرية معناها التحرر و الحرية هي ضد العبودية ، أما في الميدان الفلسفي ، فتعتبر الحرية من أقدم المشكلات الفلسفية و أعقدها ، إذ تصدى لها الفلاسفة اليونان ، ومازالت مركز الاهتمام الفلاسفة و مفكري اليوم .
وقد ارتبط هذا المفهوم اشد الارتباط ،بمفهوم الإرادة باعتبارها شرط للحرية وفي هذا الصدد يقول بوسوية " كلما بحنث في أعماق قلبي عن السبب الذي دفعني إلى الفعل لن أجد فيه غير إرادتي ، ومن هذا المنطلق تطرح مجموعة من التساؤلات : 


- هل يمكن نسبة الحرية إلى إرادتنا أم أن الحرية في غنى عنها؟ 
- هل الإرادة شرط للحرية ؟
- ماذا نعني بالإرادة ؟
لقد اعتبرت المدرسة العقلية بقيادة ديكارت ، أن المعرفة هي المجال الحقيقي الذي تستطيع فيه الإرادة الحرة ، أن تختار فيه الحرية ، وأن تصدر أحكامها ، وهكذا فإن ما يعصم من الوقوع في الخطأ هو حرية الإرادة و الاختيار و حسن استعمالها ، ومن هذا فإن ديكارت من خلال نصه الإرادة هي حرية الاختيار " المقتطف من كتابه التأملات .يرى أن هناك فكرة أساسية مفادها أن الأحكام التي نصدرها عن الأشياء ،تكون معقولة كلما كانت الإرادة حرة وهذه الإرادة تكون سابقة عن الفعل بعيدا عن المؤثرات و الضغوطات الخارجية .
إذا كانت المدرسة العقلية قد اعتبرت أن مجال المعرفة هو مجال ممارسة الإرادة الحرة ،فإن المدرسة الأخلاقية النقدية مع كانط اعتبرت أن مجال الوحيد الذي يمكن التكلم فيه عن إرادة حرة هو مجال الأخلاق ،وفي هذا السياق نجده يقول : "إن الإنسان بوصفه كائنا عاقلا يستطيع اعتمادا على إرادته الحرة ، وضع القواعد العقلية للعقل الإنساني و الخضوع لهذه القواعد " وهذا مايتضح من خلال نصه "الإرادة الحرة " المقتطف من كتابه " أسس ميتافيزيقيا الأخلاق " الذي يرى فيه أن الحديث عن وجود إرادة حرة ، لا يستقيم إلا خارج دائرة الرغبات و الميولات و هو بذالك يقصي البعد الحسي الغريزي من مجال الفعل الإنساني جماليا كان أو أخلاقيا. مثله مثل – شوبنهاور - الذي يرى أن كل إنسان في هذا العالم له إرادة في العيش غير عقلانية، لأنها تسند إلى رغبات و طموحات نفسية و لمعالجة هذه الإرادة النفسية في العيش، لابد من وجود أخلاق تدعو إلى الشفقة و نكران الذات و تطالبا بالعدل للتوفيق بين أنانيتها و أنانية الآخرين.
اما في القرن 18 و في إطار علاقة الحرية بالإرادة في ظل مجتمع ديمقراطي فنجد أليكسيس دوطوفكيل يعتبر أن حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة، فبقدر ما عنده من إرادة بقدر ما عنده من حرية وهذا ما نجده في كتابه – الديمقراطية في أمريكا -حيث إن المساواة تبعد الفرد عن العبودية ليتمتع بإرادة حرة و آمنة، فالإرادة هي التي تدفعه لممارسة حريته السياسية داخل المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، بعيدا عن الضغوطات التي تفرض عليه من الخارج، و لذلك فإن أليكسيس يميز بين نوعين من الحرية : 
• الحرية النسبية : هو الخلاص من القسر و الإكراه الإجتماعي، و الحر هو الذي يأتمر بما أمره القانون، و يمتنع عما نهى عنه و الغرض في ذلك هو ضمان الاعتراف بحقوق الغير و احترام حرياتهم الإرادية، و هو الطريق الآمن و الأطول نحو العبودية .
• الحرية المطلقة: هو حق الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط فيها، و قد يدفعه هذا الاستقلال نحو الفوضى و التجرد بشكل مفاجئ.
إذا انتقلنا إلى الفلسفة الوجودية، فإن الحرية قد احتلت مركز الصدارة في فلسفة جون بول سارتر، فهو يرى أن الإنسان ليس حرا فقط بل هو الحرية نفسها فالحرية ليست صفة تضاف إلى الطبيعة الإنسانية، و ليس خاصية من خصائصها بل هي نسيج الوجود الإنساني و في هذا السياق يقول : ليس الوجود شيء يقدم إلي بل أنا أهب الوجود إلى نفسي. و يتأكد هذا الموقف من خلال نصه- الإرادة شرط للحرية-المقتطف من كتاب الوجود و العدم يرى أن الإنسان هو الذي يصنع ماهيته و صفاته بنفسه، فالفرد قادر على صنع ماهيته حسب إرادته الحرة، دون أن تكون لظروف خارجية أو لأي قوة تأثير على حريته،وسارتر أكد حرية الفرد و قدرته على اختيار أفعاله بنفسه، لان الوجود سابق على ماهيته. 
.لقد ارتبط مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي بمسألة الجبر و الاختيار، و هذا ما نجده عند ابن باجة حيث يميز بين نوعين من الأفعال:
• أفعال اختيارية مرتبطة بالإنسان أي أن الفعل الإنساني هو فعل إرادي واختياري، و هو الذي يحدد بنيته الشخصية فيساعده ذلك على الرؤية و التفكير السليمين و الإصابة في الآراء و الأحكام و أخرى إصرارية مرتبطة بالحيوان أو ما يسميها ابن باجة بالأفعال البهيمية لأن الإنسان كائن عاقل و هذا ما يميزه عن باقي الكائنات أما إذا عدنا إلى الكتاب المقرر و ألقينا نظرة على نصه المقتطف من كتابه– تدبيير المتوحد- يتضح أن الفعل الإنساني حسب ابن باجة هو فعل اختياري و هذه ميزة تميزه عن باقي الكائنات.و المقصود بالاختيار – الإرادة - الكائنة في نفسه فالحيوان يتقدم فعله عما يروج في نفسه من أفعال و لذلك فان ابن باجة يرى أن الإنسان يحمل في نفسه ميزتين أساسيتين :
• أفعال بهيمية : المتمثلة في اللاإرادية كهروبه من أمر مفزع.
• أفعال إنسانية : و المتمثل في الأفعال التي تساهم في إبعاد الأذى عن الغير و هي إرادية.
2- إرادة الحياة 
لقد جاءت أفكار نيتشه معادية لأفكار كانط شوبنهاور و رفض أخلاقيتهما الداعية إلى الشفقة و نكران الذات فحياة الإنسان تصير إرتكاسية حينما يهيمن على نشاطها عامل السلب و النفي و الإنكار فيكون في حاجة إلى التعلق بأوهام تقدم ذاتها في صورة قيم و مثل عليا مفارقة، يتخذها كأقنعة و كمبررات يعلن باسمها الجهاد ضد الحياة و الحرب ضد الوجود و هذا ما يجعل القوى الإرتكاسية تنتصر فيه القوى الفاعلة و إذا أخدنا نص إرادة الحياة المقتطف من كتابة جينالوجيا الأخلاق يميز نيتشه فيه بين نمطين من الإرادة:
• إرادة إنكارية :
و هي تقوم على تبخيس الحياة فيها وهي صادرة عن حياة مرضية أصابها الوهن و الضعف و العياء فلم تعد بقادرة على توكيد الحياة لأنها مليئة بالمفارقات و التناقضات ، و مصدرا للشر و الألم ، و لهذا أصبحت خالية من القيم ولم تعد تستحق أن تعايش .
• إرادة توكيدية :
و هي صادرة عن حياة قوية و سليمة، تتمتع بصحة جيدة و لهذا فهي منفتحة إلى الحياة وتسعى إلى توكيدها بكل اختلافاتها وتناقضاتها بكل آلامها و أفراحها دون نقص و بدون أدنى شعور بالدونية والخطيئة وهو الحل من أجل الانتقال من إرادة الضعيف إلى إرادة القوي بالمعنى النيتشاوي من أجل إقامة علاقة مع الحياة و الوجود.
V- الحرية والقانون 
شكلت العلاقة بين الحرية والقانون واحدة من القضايا التي اهتمت بها الفلسفة منذ البدايات الأولى لهذه الأخيرة،خاصة إذا ما نحن استحضرنا ذلك الارتباط القوي بين الفلسفة والمدينة اليونانية ككيان قانوني تمارس فيه الحقوق التي تضمنها المواطنة بكامل الحرية في ضوء سلطة تسهر على تدبير الاختلافات بين المواطنين،فلا غرابة إذن أن ترفع الفلسفة مفهوم الحرية إلى مستوى المفهوم الفلسفي، لتجعل منه إشكالا فلسفيا خصصت له حيزا كبيرا من مجهودها الفكري سمته بالفلسفة السياسية. 
ولهذا الاهتمام ما يفسره وذلك بالنظر إلى الطبيعة السياسية للإنسان التي تحتم عليه التنازل عن مجموعة من الحريات قص تحصيل حريات أخرى يضمنها القانون، لكن القانون من هذه الزاوية بالذات يعتبر مقيدا للحرية، إذ ما معنى أن أكون حرا إذا كنت ملزما بالتخلي عن جزء من حريتي الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل:ما طبيعة العلاقة التي تربط الحرية بالقانون؟هل القانون ضامن للحرية أم أنه ضد الحرية؟ بعبارة أوضح نقول: هل الحرية والقانون متعارضان أم أنهما منسجمان؟ 
يجيبنا توماس هوبس عن هذا السؤال في كتابه "المواطن"بالتأكيد على ضرورة توحد الحرية بالقانون، بحيث يمسي القانون هو الضامن للحرية،وهو الأمر الذي يتم من خلال تنازل الجميع عن حقهم في ممارسة القوة لصالح شخص واحد مقابل أن يصبح هذا الأخير ممثلا للقانون، ومعلوم أن هوبس كان من المؤسسين لفكرة المجتمع المدني باعتباره مجتمع الحرية المدنية التي يلجأ إليها الإنسان بعد خيبة أمله في حريته الطبيعية، فهوبس يقيم تمييزا بين الحرية الطبيعية والحرية داخل المجتمع المدني، في الحالة الأولى يكون الفرد حرا بشكل مطلق فلا حدود تعيق ممارسته لكامل حريته، لكن هذه الحرية حسب هوبس غير مجدية لأنها بقدر ما تضمن للفرد الحق في ممارسة الحرية بشكل مطلق بقدر ما تمنح للآخرين الحق في التعدي والتطاول على هذه الحرية، لذلك يدعم هوبس الحالة الثانية، أي الحرية المقننة والمحمية بالقانون هذا الأخير الذي يضعه المجتمع في إطار مشروع سياسي. 
فكيف يمكننا أن نتصور الحرية على المستوى المجتمعي والحياة السياسية؟ 
ذلك هو السؤال الذي حاول عبد الله العروي الإجابة عنه في نصه المقتطف "مفهوم الحرية"من خلال رصده لتمظهرات الحرية في تجربتها الواقعية الأولى باعتبارها تجربة الإمكان والاستطاعة بالمعنى المادي، أي القدرة على فعل ما نرغب فيه.بيد أن هذه الاستطاعة تمسي داخل المجتمع مطالبة بأن تقنن بواسطة القانون فيصبح معنى الحرية ها هنا هو السماح للفرد بالقيام بما يسمح به القانون، أي ما لا يعرضه للعقاب.هكذا تعني الحرية حسب العروي "مجموع الحقوق المعترف بها للفرد ومجموع القدرات التي يتمتع بها". 
ومعنى هذا أن الحرية تقترن بالقانون وأي محاولة لتجاوز حدود هذا الأخير تؤدي إلى الدخول في صراع مع ممثلي القانون مما يسفر عن اتساع حرية الفرد أو تقلصها.لذلك يؤكد العروي على ارتباط مستوى الحرية بمستوى الجماعة والطبقة التي ينتمي إليها الفرد، كما يبين صاحب النص أنه من الصعب تحديد معيار لدرجة الحرية داخل المجتمع، لذلك يصبح مفهوم الحرية أكثر زئبقية عندما يدخل مضمار الحياة المجتمعية والسياسية.لذلك فحضور الدولة مهم لتنظيم العلاقات داخل المجتمع. ولابد من التأكيد على أن مفهوم الحرية عند العروي يرتبط بمفهومي الدولة والعقل، فوجود الحرية يفترض بالضرورة وجود الدولة التي تحتكم إلى القوانين الموضوعة بطريقة عقلانية، ويستوحي العروي تصوره هذا من الفلسفة السياسية عند هيجل عندما يتحدث هذا الأخير عن علاقة الفرد بالدولة حيث تنصهر حرية الفرد في قوانين الدولة وتأسس هذه الأخيرة كضمان للحرية. 
في هذا ألإطار أي علاقة الحرية بالقانون يطالعنا نص الفيلسوفة الألمانية حنا أراندت" ما الثقافة " الذي تتناول فيه مفهوم الحرية من خلال ربطه بالمجال السياسي، وبالضبط من خلال ممارسة الفرد لحريته بشكل فعلي داخل الحياة اليومية، آنذاك فقط يمكن للفرد أن يشعر بحريته من خلال احتكاكه بالعالم الخارجي ودخوله في علاقات مع أفراد المجتمع هذا الأخير الذي تحكمه القوانين، ولا يمكن لشعور الفرد الداخلي بالحرية أن يمكنه من لمس المعنى الحقيقي للحرية، فهذه الأخيرة لا تتحقق إلا داخل الحياة العامة المنظمة سياسيا. كما تؤكد أراندت على أن الحرية لا تتحقق داخل المجتمعات الاستبدادية لأنها تمنع ظهور الحياة العامة والتي تعتبرها أراندت شرط أساسي لتحقيق الحرية التي يمارسها الأفراد على مستوى الواقع. فلوجود الحرية لابد من وجود نظام سياسي تحكمه قوانين تعمل على تنظيم الحياة العامة. 
هذا الموقف دافع عنه قبلا مونتسكيو حين قال بالنظام السياسي الديمقراطي الذي يسمح للأفراد بالقيام بما يريدون في ظل شروط يضعها القانون، فالقوانين هي التي تنظم العلاقات داخل المجتمع وتضمن الحريات، وهذا النمط من الحرية يوجد داخل الحكومات المعتدلة التي تقوم على مبدأ الجمهورية، هذه الأخيرة تقوم بدورها على الفضيلة، فغايتها هي ضمان الخير الأسمى للمجتمع، وهذا هو الشكل الذي من شأنه حسب مونتسكيو أن يضمن لنا الحرية، إلى جانب تنظيم السلط كي لا تتجاوز أي سلطة القوانين، بمعنى الحد من تعسف سلطة بسلطة أخرى من خلال تقسيم السلطات إلى: سلطة تشريعية تراقب السلطة التنفيذية ،هذه الأخيرة التي تملك حق انتقاد السلطة التشريعية، وهناك السلطة القضائية التي يجب أن تنفصل نهائيا عن السلطة التنفيذية. 
هكذا حسب مونتسكيو يمكن للدولة أن تضمن الحرية للأفراد ويمكن للأفراد ممارسة حريتهم في ظل القانون.و هذا هو المعنى الذي يعطيه بنجامان كونستان لمفهوم الحرية فهو يرى بأن الحرية في معناها الحديث تعني عدم الخضوع إلا للقوانين، بمعنى أن يفعل الإنسان ما يشاء ويمارس كل ما من شأنه أن يجعله إنسانا حرا يلمس حريته، إلا أن هذا الفعل لا يجب أن يخرج عن الإطار القانوني الذي تضعه الدولة. 
هذا هو الموقف الذي يتبناه كونستان ويعتبره أعم من المعنى التقليدي لمفهوم الحرية، أي المعنى الميتافيزيقي للحرية. هكذا يكون القانون ضروري لضمان حرية الأفراد من خلال تنظيم العلاقات سواء بين الأفراد أو بين الجماعات و المؤسسات... إلى غير ذلك من أشكال التنظيم الإجتماعي والسياسي . وفي الختام نشير إ لى أن القوانين وضعها الإنسان لخدمة الإنسان، والإشكالية تبقى في اختلاف التصورات والتمثل لمفهوم الحرية ولمفهوم القانون. 
معـــــــــــــــجم المــــــــــفاهيم
-الخاص بدرس الحرية-


الأخلاق: كلمة الخلق تستعمل في اللغة بمعنى السجيّة وبمعنى الطبع والدين والمروءة وفي الاصطلاح ملكة من ملكات النفس واظهر خاصة بهذه الملكة هي صدور الأفعال عن الإنسان من دون لمعان نظر أو إعمال فكر ويقول آخرون الخلق صورة الإرادة وفي قول ثالث بأنه عادة الإرادة وموضوعه. الأخلاق يجيء لفظ "الخلق" ولفظ الأخلاق وصيغ أخرى تنبثق منهما وصفا لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات: ذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة لذا جاء سلوكه مرتبطا بالفكر ، ومتوافقا مع ما يدين به من اعتقاد. كذلك فإن الإنسان منذ نشأته يمارس الحكم الأخلاقي على الأشياء ، فهذا خير وذاك شر ، وهذا حسن ، وذاك قبيح ، وهذا نافع ، وذاك ضار الأمر الذي جعله يستحق وصف أنه كائن أخلاقي، ويطلق لفظ الخلق ويراد به القوة الغريزية التي تبعث على السلوك كما يراد به السلوك الظاهر "أي الحالة المكتسبة التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء.
الإرادة: القدرة على تحديد مفهوم الذات، إنها قدرة المرء على اتخاذ القرار، وبخاصة في القضايا المصيرية، أو على الاختيار بين مختلف البدائل، أو العمل في بعض الحالات من غير أن تقيد إرادته عوائق طبيعية أو اجتماعية أو غيبية، وهي نقيض "الحتمية" التي تقول بأن أفعال المرء هي ثمرة عوامل سابقة لا سلطة له عليها، والقائلون بحرية الإرادة يبنون موقفهم على أساس من الاعتقاد السائد في مختلف المجتمعات بأن الناس مسؤولون عن أعمالهم الشخصية وهو الاعتقاد الذي تنبني عليه جميع مفاهيم القانون والثواب والعقاب، وتعتبر الوجودية أكثر الفلسفات الحديثة تشديدا على حرية المرء ومسؤوليته عن أعماله.
الحتمية:مبدأ علمي مفاده أن الظواهر الطبيعية مشروطة بأسباب ضرورية وثايثة، ومن ثمة إمكان التنبؤ بها عند معرفة القوانين المتحكمة فيها، إنها إثبات أن لكل حدث ما أو نتيجة ما سبب، وان نفس الأسباب تنتج نفس النتائج.
الحرية: القدرة على الفعل أو عدم الفعل إراديا دون تدخل شيء آخر غير الإرادة.
الحق: هو الصواب إذا أريد به الفعل وإن أريد به القول كان قولاً حسناً وإن أريد به الاعتقاد كان علماً مطابقاً للواقع. يعتبر مفهوم الحق من المفاهيم الأساسية التي تداولها الفلاسفة من القديم، لارتباط إشكالية الحق بالهموم الإنسانية، ولمواكبتها للحياة السوسيوأخلاقية. ويبرز مفهوم الحق في التمثل الشائع بدلالات متنوعة : فتارة يفيد معنى الحقيقة، وتارة أخرى يفيد معنى القسط أو النصيب في الإرث مثلا. وقد يقصد بالحق الذات الإلهية أو إحدى صفاتها... وقد يعني أحيانا القانون أو التشريع الذي بموجبه ينصف الأفراد وتؤطر علاقاتهم مع بعضهم البعض ...الخ.
الحق الطبيعي: هو الحق المستقل عن القوانين التي أسسها المجتمع، والمنتمي إلى طبيعة الكائن الإنساني ذاته، وهكذا تعتبر الحرية والمساواة كحقين طبيعيين.
الزهد: مذهب أخلاقي يقوم على تحقير اللذة الحسيّة وممارسة الرياضات الروحيّة ابتغاء الكمال وعند المتصوفة هو عبارة عن بغض الدنيا والإعراض عنها طلباً للآخرة.
الشَرْع: ما حمّل اللّه تعالى النبي | وأمره بأدائه والزم الناس القيام به.
أن الوجود البشري يخضع لحتمية كونية، من هنا مبرر الحديث عن الشغل كضرورة، والمفهوم الذي يقابل مفهوم الضرورة هو مفهوم الصدفة.
الضرورة: خاصية لازمة لكل ما يتصف بالوجود، وهي نابعة من الظواهر ذاتها وتشير إلى انتظامها وترتيبها وبنائها. فالضرورة هي ما لا بد أن ان يحدث بالضرورة في شروط محددة. وتعتبر عند البعض إلزاما على اعتبار 
الظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه،وهو الجور، وفي الشريعة عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل. ظن هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض.التعدي عن الحق إلى الباطل.
العاقل: يجد هذه الصفة من نفسه ويفرق بينه وبين كونه معتقداً ناظراً مدركاً.
العدالة: الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق.ب إحدى الفضائل الأربع الرئيسيّة في الفلسفة اليونانيّة.عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينه.
القانون: لفظ يوناني أو سرياني يراد به مسطر الكتابة وفي الاصطلاح هو والقاعدة بمعنى واحد وهو الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئيّاته التي يتعرف أحكامها منه.
المجتمع الـــــــــمدني: هو المجتمع التعاقدي المنظم وفق القانون بمقابل المجتمع الطبيعي القائم على الحرب والأهواء.



تراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الفلاسفة
-الخاص بدرس الحرية-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق