الثلاثاء، 28 يناير 2014

تمثلات السعادة



تمثلات السعادة







تـقـديــم :



يختلف الناس والفلاسفة على السواء في تمثلهم للسعادة. فالعوام يربطونها بالثروة والجاه والنفوذ وتحقيق المتعة في شتى أشكالها وعموما يمكن القول إن التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة الجسدية. أما الفلاسفة فهم أيضا يختلفون في تمثلهم للسعادة، فمنهم من يراها في علاقتها بالفضيلة والتأمل العقلي ومنهم(فلاسفة الإسلام) من حاول التوفيق بين التأمل العقلي وما هو ديني أي السعادة الأخروية، وهناك من يرى أن كل هذه التمثلات حسية وجزئية ، أما عندما نتحدث عن مفهوم السعادة نكون محتاجين إلى " كل مطلق ". وهناك من الفلاسفة من يعتبرها فردية ومنهم من يعتبر أن السعادة لا تكون إلا داخل دولة . وآخرون يقولون بأنه من المستحيل أن نستدل على وجود السعادة بل يجب أن نعمل على تحصيلها فهي ممارسة .

أمام هذا التعدد في تمثل السعادة نجد أنه لابد من طرح بعض الإشكالات :
*هل السعادة ممكنة ؟


* هل يمكن أن نستدل على وجودها ؟

*هل هي غاية كل الناس ؟

*هل يمكن بلوغها، وبأية وسائل ؟

*هل نطلبها من أجل ذاتها أم من أجل أشياء أخرى ؟ 

موقف أرسطو :

إن الغاية من السياسة باعتبارها، هي تحقيق الخير الأسمى الذي هو السعادة وهذا النعت للخير الأسمى بالسعادة يشترك فيه كل من العامي والفيلسوف «فالعامي كالناس المستنيرين يسمي هذا الخير الأسمى سعادة»[ندعوك للتسجيل في المنتدىأو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلا انه وعلى الرغم من هذا الاتفاق فإننا نجد أن هناك بونا شاسعا في تمثل المفهوم بين العامي والفيلسوف و« انقسام الآراء هذا مرده إلى الاختلاف بشأن طبيعة السعادة وأصلها» [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فتمثلات السعادة لدى الطبائع العامية تختلف من شخص لآخر فالمريض يراها في اكتساب الصحة، والمعوز في اكتساب المال والعاشق يراها في الزواج من معشوقته . « إنها ليست إلا شيئا نافعا ومطلوبا لأشياء أخرى غير ذاتها» .[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 

أما الفيلسوف فهو يرى عكس ذلك فالسعادة عنده هي غاية بل غاية الغايات و هي تطلب لذاتها «ينبغي وضع السعادة بين الأشياء التي تختار من أجل ذاتها إذ هي قائمة بذاتها» [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وكل الأشياء الأخرى إنما تطلب كوسيلة لتحقيقها« كل ما يمكن تصوره إنما يطلب من أجل ما عداه إلا السعادة إذ هي غاية بحد ذاتها » [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

وعموما يمكن القول إن التمثل العامي يختلف عن تمثل الحكماء ذلك أن التمثل العامي يغلب المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة واللذة لذلك يرى أرسطو أنه« لا يوجد.. إلا ثلاثة صنوف من العيشة يمكن على الخصوص تمييزها. أولها هذه العيشة التي تكلمنا عليها آنفا (عيشة العوام)، ثم العيشة السياسية أو العمومية، وأخيرا العيشة التأملية والعقلية». ويرتبط بكل نوع من هذا العيش ثلاثة أنواع من السعادة، فأما العيشة الحسية وهي سعادة اللذة الجسدية، لذة الطعام والشراب والجنس وهي لذة يشترك فيها الإنسان والحيوان، وهي سعادة وقتية ولو طلبت لذاتها لأدى ذلك إلى الإسراف فيها، ثم إلى فقد الإحساس باللذة ثم تنتهي إلى الألم والمرض ، فتحققها ليس من السعادة بشيء، أما الثانية فهي السعادة السياسية، وهي مطلوبة من الكثير من الناس، ولكنهم ما يلبثوا أن يشعروا بالتعاسة عندما يفقدون مراكزهم، ويعرفوا أن الناس كانوا يعظمونهم لأجل الوظائف التي يمثلونها وليس لأشخاصهم، كأن هذه السعادة وقتية وهي متوقفة على الناس يمنحونها ويسلبونها وفقاً للمركز الشخصي لا للقيمة الذاتية، إذاً هي ليست خيرا في حد ذاتها وليست دائمة فقد يعقبها الإهمال والتحقير . السعادة الثالثة هي السعادة العقلية فهي التي ترمي إلى تحقيق الفضيلة باعتبار أنها العمل بمقتضى الحكمة ، والحكمة ملكة عقلية تكتسب بالتمرين والتعود على طلب الحق والخير الصحيح وفضائل الحكمة عملية ونظرية، وتبين لنا الحكمة العملية أن الفضيلة قوة نكتسبها عن طريق ممارسة أعمال تتوفر فيها الإرادة الحرة والمعرفة والنزوع إلى الخير. وإذا بحثنا عن الفضائل نجد أنها تقع في الوسط ما بين المغالاة " الإفراط " والتقصير "التفريط " مثل الشجاعة، فهي وسط بين رذيلتين هما التهور والجبن ، والكرم وسط بين الإسراف والبخل والعدل وسط بين المحاباة والظلم ، وتحكم العقل والإرادة في تعيين الفضيلة يتم عن طريق الممارسة الواقعية للفضيلة ، فإذا عود الإنسان نفسه أن يتلمس الفضيلة دائماً ويقوم بها فإنها تصبح طبيعة فيه يتجه إليها من دون تردد وبذلك تتحقق له السعادة . 

*موقف ابن مسكويه:

يحاول ابن مسكويه تقديم التمثلات السائدة عن السعادة لدى كل من الحكماء والعوام وهو إذ يُفصل في هذا فيقول إن الحكماء من أمثال فيتاغورس وأفلاطون لما قسموا السعادة جعلوها كلها في قوى النفس، أي القوى الثلاث : القوة الغضبية، القوة الشهوانية، والقوة العاقلة. القوة الشهوانية التي تحرك الإنسان إلى ما يشتهيه أو يجذبه من الملذات والخيرات. والقوة الغضبية التي تحركه إلى "الغضب" عدوانا أو دفاعا أو نجدة. والقوة الناطقة العاقلة وهي التي يحصل بها التمييز والروية والتفكر. ولكل من هذه القوى فضيلتها: ففضيلة النفس الشهوانية العفة، وفضيلة النفس الغضبية النجدة، وفضيلة النفس العاقلة الحكمة. ومن اعتدال هذه الفضائل الثلاث ومن نسبة بعضها إلى بعض تحدث فضيلة رابعة هي كمالها وتمامها وهي العدالة وأجمعوا على أن« هذه الفضائل هي كافية في السعادة ولا يحتاج معها إلى غيرها من فضائل البدن وما هو خارج البدن»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وبالتالي فالسعادة عندهم هي سعادة نفس و« سائر الأشياء الخارجة عنها، فليست عندهم بقادحة في السعادة البتة»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 

أما الرواقيون فجعلوا السعادة في النفس غير مكتملة إذا لم تقترن بالجسد أو حتى ما هو خارج الجسد هدا بخلاف المحققين من الحكماء الذين لا يربطون السعادة بما هو خارج الجسد فيعتبرونها ثابتة لا تتغير ولا يلحقها زوال ولا تغيير . 

أما العامة فتختلف طبائعهم في تمثل السعادة بحسب حاجياتهم، فالمريض يراها في اكتساب الصحة، والمعوز في اكتساب المال والغريب في العودة لوطنه. وعموما يمكن القول إن التمثل العامي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة واللذة . والحكماء يرون أن كل هذه التمثلات سعادة ولكن شريطة أن تكون «عند الحاجة وفي الوقت الذي يجب وكما يجب وعند من يجب، فهذه سعادات كلها، وما كان منها يراد لشيء آخر؛ فذلك الشيء أحق باسم السعادة »[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]فالمريض مثلا يجد السعادة فيما يحتاج إليه وهي الصحة .

*موقف الفارابي:

لما كان المقصود من الوجود الإنساني بلوغ السعادة عن طريق إدراك المعقولات أو المبادئ التي يتأسس عليها وجود الكون والإنسان ثم كانت هذه المعقولات لدى جميع الناس أصحاب الفطر السليمة والتي « يسعون بها نحو أمور وأفعال مشتركة لهم ؛ ثم بعد ذلك يتفاوتون ويختلفون فتصير لهم فطر تخص كل واحد وكل طائفة »[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لزم عن اختلاف الفطر عدم قدرة كل إنسان على أن يعلم من تلقاء نفسه السعادة ولا أن يعملها، فوجب بذلك ضرورة وجود معلم أو مرشد يرشده إلى الكيفية التي تمكنه من أن يجعل السعادة غايته ثم «يعلم الأشياء التي ينبغي أن يعملها حتى ينال بها السعادة»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وتبعا لاختلاف الفطر وجب على المعلم أن يسلك طرقا مختلفة باختلاف الطوائف والأمم، فقد يتم ذلك بطرقة نظرية خالصة (الخاصة) أو بطريقة تعتمد على المحاكاة كفن للتبليغ والتخييل (العامة).

* موقف افلاطون:

ليست السعادة حسب أفلاطون شأنا شخصيّا بقدر ما هي قضيّة تتعلّق بالمدينة ككلّ وبالتّالي لا يمكن تحقيق الكمال إلاّ في مدينة محكمة التّنظيم. «إننا لم نستهدف في تأسيس دولتنا جلب السعادة الكاملة لفئة معينة من المواطنين وإنما كان هدفنا أن نكفل أكبر قدر ممكن من السعادة للدولة بأسرها »[ندعوك للتسجيل في المنتدى أوالتعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] السٌعادة بالنٌسبة لأفلاطون عندئذ هي سعادة المدينة ككلٌ والتي تتحقٌق بالانسجام بين جميع أطرافها وشرائحها، فكما يجب أن يوجد انسجام في الفرد بين النٌفس العاقلة والنٌفس الغضبيٌة والنٌفس الشهوانية. فإنٌ المدينة كذلك يجب أن تنقسم إلى حرٌاس يسيٌرون شؤونها العامٌة وجنود يسهرون على الأمن ورعيٌة تقوم بالأعمال الأخرى الضرورية مثل الفلاحة والصٌناعة….إلخ. أما إذا لم يحترموا هذا النظام فإننا « نحض حراسنا وحماتنا بالوعد أو نرغمهم بالوعيد كما نفعل مع غيرهم من المواطنين على أن يؤدوا على خير وجه ما يصلحون من الوظائف»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فبذلك تتحقق العدالة وتزدهر الدولة وبازدهار هذه الأخيرة «وعندما تزدهر الدولة بأسرها... نترك لمكل طبقة أن تتمع بالسعادة على قدر ما تؤهلها لذلك الطبيعة ». [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسكلمعاينة هذا الرابط] 

· موقف كانط: 

يحاول كانط في كتابه " أسس ميتافيزيقا الأخلاق " أن يحدد العلاقة التي تربط السعادة بالعقل والخيال . بمعنى هل نتمثل السعادة بالعقل أم بالخيال. وكمحاولة للإجابة عن هدا السؤال يرى كانط أن تصور السعادة لا يمكن أن يكون بالعقل بل بالخيال،كيف ذلك ؟ إن "جميع العناصر التي تؤلف تصور السعادة.. لزم أن تستعار من التجربة "اما عندما نتحدث عن مفهوم السعادة نكون محتاجين إلى " كل مطلق " ما معنى ذلك؟

إن أمر السعادة ينصب على الوسائل الضرورية لإنجاز هذه الغاية، ذلك لأنه ينجم تحليليا من الغاية التي تسعى إليها الإرادة، تبعا للصيغة التي غدت قولا مأثورا: من يروم الغاية، يروم الوسائل (تبعا للعقل)اللازمة للوصول إليها والتي هي في مقدوره وبالتالي فجميع العناصر التي تؤلف تصور السعادة هي في جملتها عناصر تجريبية، أي أنه يلزم أن تشتق من التجربة. أماعندما نريد أن نتحدث عن فكرة السعادة فإننا نحتاج إلى كل مطلق، إلا أننا نجد انه من المستحيل للإنسان ككائن متناه، محدود بحدود التجربة « أن يكون لنفسه تصورا محددا لما يبغيه هنا على الحقيقة »[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]هل يريد حياة طويلة ؟ فمن يضمن له إلا تكون شقاء طويلا، و بالتالي فمن الصعب عليه أن يحدد كيف يكون سعيدا. فليس ثمة في هذا الشأن أمر يمكنه أن يقرر بالمعنى الدقيق للكلمة أن نفعل ما يجعلنا سعداء « ذلكم لأن السعادة هي مثل أعلى لا للعقل بل للخيال»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فلا يمكن انطلاقا من نتائج هي في الواقع لامتناهية أن نعطي تحديدا للسعادة. 

* موقف ( إميل شارتيي) ألان:

يعتبر ألان أن الأمل في السعادة هو السعادة، ألان أن الأمل في السعادة لا يعني أن ننتظر السعادة لتأتي إلينا وصوبنا، ولا يعني كذلك استحالة الحصول عليها أو بلوغها، و لا انها وهم، بل يعني هذا أن " نعمل على تحصيلها الآن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ذلك أن « السعادة ليست شيئا نطارده بل هي شيء نتملكه، وخارج هذا التملك فهي ليست سوى لفظ» [ندعوكللتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إلا أن هذا التملك للسعادة مشروط بالرغبة في أن نكون سعداء، لذلك يجب على المرء « أن يطلب سعادته وأن يصنعها »[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] إن ألان يؤكد هنا وخاصة في كتابه"PROPOS SUR LE BONHEUR" أن السعادة لا تتوقف على العالم الخارجي أو المحيط بالشخص و إنما يتوقف على الشخص ذاته أي أن فعل السعادة لا يتحقق إلا بالإرادة. ذلك أن تحقيق السعادة لا يتأتى إلا بالصراع ضد المعيقات التي تحول دون ذلك ولا يجب الاعتراف بالهزيمة طالما لم نتجاوز هذه المعيقات .*[ندعوك للتسجيل في المنتدىأو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق