الثلاثاء، 28 يناير 2014

الــدولــــــة مشروعية الدولة و غاياتها.

الــدولــــــة



تقديم.
تعتبر الدولة أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع و تدبير شؤونه. و هي بذلك تعد أشمل تنظيم يعكس مجموعة أفراد المجتمع. و يتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية و القانونية و السياسية و الاقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن استمراريته. لكن بالرغم من هذه الأهمية التي تشغلها مؤسسة الدولة، يبقى سؤال ما هي الدولة غامضا؟ و هذا الغموض نابع من الأدوار المعقدة التي تلعبها الدولة داخل المجتمع ن و من التناقضات الواضحة التي ترافقها. و إذا كانت الغاية من وجود الدولة هي تنظيم أمور المجتمع، فهل يمكن الحديث عن حياد الدولة؟ من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ من الحق أم من القوة؟ ما طبيعة الممارسة السياسة؟ هل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه أم محايثة له؟ هل تمارس الدولة وظائفها بالقوة أم بالقانون؟ بالحق أم بالإكراه؟ 

I-مشروعية الدولة و غاياتها. 

إشكال المحور:
-ما أساس مشروعية الدولة؟
-هل الحق أم القوة؟ و ما الغاية منها؟

1)أطروحة جون لوك.

يعتبر جون لوك أن مشروعية الدولة ترتبط بضرورة حماية أمن الناس. أي المحافظة على خيراتهم المدنية و سلامتهم البدنية و صيانة ممتلكاتهم.ذلك لأن من واجب الحاكم المدني المحافظة على امتلاك الناس لجميع الأشياء التي تخول لهم الحق في الحياة، بالآعتماد على قوانين تفرض بالتساوي على الجميع. و انتهاك هذه القوانين يجب أن يواجه بقمع الدولة، إما بواسطة الخوف من العقاب أو العقاب ذاته، مما يعني حرمان الفرد من حرياته الأساسية. و عليهن فإن اختصاص الحاكم يتجلى في ممارسته لحقوق السلطة المدنية التي تنحصر في المحافظة على خيرات الإنسان المدنية، دون المساس بنفس المواطن(عقيدته-نجاة نفسه-خلاصه الأخروي...).

2)أطروحة اسبينوزا.

إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة حسب باروخ اسبينوزا ليس هو تحقيق السيادة أو القيام بإرغام الناس، بل الغاية هي تحرير الفرد من كل مظاهر الخوف و تمكينه بالتالي من ممارسة حقه الطبيعي في الحياة و العمل دون أن يلحق أضرارا بالغير. إن الغاية من تأسيس الدولة إذن، ليس تشييء الإنسان(سلبه حريته) بل تحقيق الشروط المواتية لكي يستخدم الإنسان عقله استخداما حرا. و عليه فإن الحرية هي الغاية الحقيقية لقيام الدولة. و شرط قيامها حسب اسبينوزا هو أن تستمد مشروعيتها من الإرادة الجماعية للناس، عن طريق تنظيم تعاقد و تعاهد حاسمين بينهم على إخضاع كل شيء لتوجيهات العقل وحده. فإذا كان الناس قد تخلو عن حقهم في السلوك كما يشاؤون (حالة الطبيعة) فإنهم لم يتخلوا عن حقهم في التفكير و الحكم. إن المواطن الصالح حسب اسبينوزا هو الذي يستطيع أن يعبر بكل حرية اعتمادا على عقله، و أن يصدر حكمه المستند إلى العقل في كل القوانين التي تهم تدبير شؤون الناس، لكن مع التزامه بأن يسلك وفق قوانين الدولة المتعاقد عليها، و إن كان معارضا لها. و هذا النموذج من المواطنين هو الذي يكون جديرا بثناء الدولة. 

3)أطروحة هيغل.

ليست الدولة عند هيغل، كما ينظر إليها عادة ذلك التعبير عن المجتمع المدني الذي يروم تحقيق مصلحة الأفراد الذاتية، و المرتبطة بحياتهم اليومية. بل إن الدولة، كما يراها هيجل، تجسيد للمطلق ( الأسرة-المجتمع المدني-الدولة). إنها الغاية النهائية و الثابتة التي لا تنفك و تتلاشى. و تحقق فيها الحرية قيمتها باعتبارها غاية كونية و ليست غاية فردية. فالدولة حسب هيغل غاية في ذاتها و ليست وسيلة لتحقيق أي مصلحة فردية، إنها الغاية الطلقة و النهائية للوعي الإنساني. و بهذا المفهوم الذي أعطاه هيغل للدولة يمنحها وظيفة و دورا لا يختزلان في الحماية و الأمن، و فرض السيادة بالقمع و الإخضاع، بقدر ما يرتبطان بنشر القيم الروحية و المبادئ العقلية. ذلك لأن فكرة التعاقد التي طرحها روسو تمثل المبدأ الأساس للدولة. و هذا المبدأ يعكس الإرادة الحرة و العفوية للأفراد لكي تتشكل الإرادة العامة التي تضمن للإنسان أن يحكم نفسه بنفسه، و من تم يعترف بإنسانيته. يقول روسو في هذا الصدد:" من يهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأحد". 

II-طبيعة السلطة السياسية.

إشكال المحور:
-ما طبيعة السلطة السياسية؟
-هل السلطة السياسية واحدة أم متعددة؟
- ما العلاقة بين مختلف السلط داخل الدولة؟ 

1)أطروحة مونتسكيو.

يحدد الفيلسوف مونتسكيو أنواع السلط في الدولة بكونها: السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية – السلطة القضائية. و حدد اختصاص كل سلطة على حدة. كما أقر مونتسكيو أن الحرية السياسية تعني إحساس المواطن بأمنه الخاص. و أن هذه الحرية قد تنتفي عندما تجتمع السلطة التشريعية و السلطة القضائية في يد شخص واحد أو في يد هيئة سياسية واحدة، مما سيؤدي إلى صياغة قوانين استبدادية. كما أن عدم انفصال السلطة التشريعية عن السلطة القضائية سيؤدي إلى إصدار قوانين اعتباطية. و إذا ما ارتبط القضاء بالتنفيذ سيتحول القاضي إلى شخص قامع. أما إذا اجتمعت هذه السلطات الثلاث في شخص واحد أو في هيئة واحدة، أو حتى يد الشعب وحده، فإن مصير الدولة و المجتمع هو الضياع.و يشير مونتسكيو بهذا التوزيع للسلط إلى ضرورة تحقيق الديمقراطية من جهة و ضرورة و حيوية فصل السلط من جهة ثانية. 

2)أطروحة جون لوك.

يقر جون لوك بصيرورة المجتمع الإنساني. فإذا كان الناس أحرارا و متساوين و مستقلين في حالة الطبيعة، فمعنى هذا أن ما يحكمهم هو القانون الفطري. إلا أن ضرورة تنظيم المجتمع اقتضت الموافقة (الاتفاق) بين جميع أفراده على تكليف هيئة واحدة لها صلاحية التصرف، كما لها سلطة القرار و التدبير، اعتمادا على موافقة الأكثرية. إن هذا يعني أننا أمام ضرورة الالتزام من طرف كل فرد بتعاقده مع الآخرين على تأليف هيئة سياسية واحدة. أي الخضوع لقرارات الأغلبية و التقيد بها. إن أطروحة جون لوك تعد بحق النواة الأساسية لتكوين نظام سياسي ديمقراطي غربي حديث. 

3)أطروحة ألان طورين. 

من منظور سوسيولوجي معاصر، يطرح ألان طورين تصورا نقديا لطبيعة السلطة السياسية. فإذا كانت السلطة السياسية تعتمد على سلطة الاستبداد العسكري و سلطة الحزب الكلياني، باعتبارهما سلطة مطلقة، فإن الديمقراطية لا يمكن أن تكون قوية إلا عندما تحترم السلطة السياسية الحقوق المدنية و الحقوق الاجتماعية و الثقافية. و لذا فإن الحصول على سلطة ديمقراطية يجب أن يتجلى في نظام يقوم على فاعلية المؤسسات السياسية التي تعتمد على ثلاث مبادئ و هي: * الاعتراف بالحقوق الأساسية التي ينبغي احترامها. * صفة التمثيل الاجتماعي للقادة و سياساتهم. * الوعي بالمواطنة، أي الانتماء إلى جماعة قائمة على الحق. 

III-الدولة بين الحق و العنف.

إشكال المحور: 
-هل ينبغي أن تتأسس الدولة على القوة و العنف أم على ممارسة عقلانية (معقلنة) للسلطة؟
- كيف يمكن للدولة أن تمارس عنفا مشروعا؟ هل من حق الدولة ممارسة العنف؟

1)أطروحة ماكس فيبر. 

يقدم عالم الاجتماع الألماني الدولة كأداة لإدارة المجتمع سياسيا، علما أن الدولة سوسيولوجيا لها مجموعة من المهام. على أن أوضح مهمة تنفرد بها هي ممارستها للعنف الفيزيائي. إذ أن كل دولة إلا و تنبني على القوة كما طرح ذلك "تروتسكي". و يعتبر العنف الفيزيائي حسب ماكس فيبر الوسيلة العادية لممارسة السلطة. كما أن الدولة المعاصرة تطالب بإنجاح و تحقيق سياساتها باحتكار العنف الفيزيائي المشروع. و بهذا تصبح الدولة المصدر الوحيد "للحق" في العنف. و لا يحق لأي تجمع آخر أو أفراد اللجوء إليه إلا بترخيص من الدولة.

2)أطروحة جاكلين روس.

تؤكد جاكلين روس على أن دولة الحق أصبحت واقعا معيشا. و لم تعد كيانا مجردا. فدولة الحق تتجلى في الممارسة المعقلنة للسلطة،و تسعى إلى توفير الحريات الفردية و بلورة الحريات العامة.لأن الدولة توجد لخدمة الفرد و حمايته، لأنها تعتبره قيمة مؤسسة. فبدون الفرد لا مجال للحديث عن الدولة. فهي تحتل إذن، مرتبة أدنى بعد الإنسان.لما أصبح يمثله من معيار أسمى. و سلطة دولة الحق تتخذ ملامح ثلاث: القانون-الحق-فصل السلط. 

3)أطروحة بول ريكور.

يرى بول ريكور أن حقيقة الدولة تتجلى في قدرتها على الجمع بين ما هو عقلاني و اقتصادي. فالعقلانية تجعل الدولة تعتمد على نوعين من المؤسسات: مؤسسات تكوينية و أخرى زجرية. حيث أن الدولة تلعب دور المربي، من خلال المدرسة و الجامعة و وسائل الإعلام. إلا أنها كذلك تعتمد على القوة و تضطر للجوء إلى إكراهات زجرية. و لعل ذلك هو ما دفع ماكس فيبر إلى إدماج العنف المشروع كمكون أساسي للدولة، الأمر الذي يرفضه بول ريكور. لأنه يعتقد أن الدولة لا تقبل التعريف إلا من خلال ممارسة السلطة و السيادة. فمن واجب الدولة أن تتوفر على بيروقراطية منسجمة و قضاء مستقل، و مراقبة برلمانية و تربية الأفراد على المناقشة الحرة. إن هذه المبادئ تشكل بعض معايير دولة الحق التي تلعب فيها الحكومة دور الرقيب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق