الاثنين، 16 يونيو 2014

الشخص والهوية:




*المحور الأول: الشخص والهوية:

۩ إشكال المحور: إذا كانت الهوية تشير إلى الوحدة والتطابق بحيث تتيح الحديث عن تطابق الشيء مع نفسه، فما أساس هوية الشخص؟ ما الذي يجعل الشخص هو هو؟ هل يرجع تطابق الشخص مع ذاته إلى التفكير، أم إلى الإحساس، أم إلى الإرادة؟
۩ مقاربة الإشكال: 

1/ موقف ديكارت:

يتبنى مؤسس الفلسفة الحديثة ديكارت أطروحة ترى أن التفكير هو أساس هوية الشخص. ذلك أنه يستهل موقفه بالتساؤل عن ماهية الذات: "من أنا..؟"، ليجيب مؤكدا كون الذات شيئا مفكرا، أي شيئا يمارس جملة من العمليات الذهنية كالشك والفهم والتصور. ومن ثم يعتبر ديكارت هذه العمليات خصائص مميزة للإنسان، معللا ذلك بإثارة مجموعة من الأسئلة الاستنكارية التي يمكن ترجمة مضمونها في النقاط التالية:
* الاعتقاد بأن الذات هي الشخص نفسه الذي يقوم بالعمليات الذهنية من شك وفهم وتصور...
* اليقين بأن الذات تتمتع بالوجود مادامت تفكر، حتى لو كانت في حالة نوم دائم، أو كانت ضحية تضليل إلهي.
* الإقرار بكون العمليات الذهنية لا تنفصل في وجودها عن الذات.
وفي ضوء ما تقدم، انتهى ديكارت إلى معرفة الذات على نحو واضح باعتبارها ذاتا مفكرة.

2/ موقف شوبنهاور:

تتأسس هوية الشخص، في منظور شوبنهاور، على الإرادة، بوصفها تلك القوة التي تنشد الحياة والتي تتجلى في الرغبات. فقد نظر، في أولاً، في الجسم، فتبين له أنه لا يمكن أن يكون، سواء في مادته أو صورته، أساسا للهوية الشخصية. ويعود سبب ذلك إلى كون الجسم عرضة للتغير والتجدد مع مرور الزمن، على حين أن ما يشكل أساس وجود الشخص ويخوله إدراك ذاته باعتباره هو نفسه، يعتبر عنصرا ثابتا لا يتأثر بالزمن. ثم نظر شوبنهاور في الذاكرة، فاتضح له أنها ليست أساس الهوية الشخصية مادامت تتسم بالضعف، فهي لا تحتفظ إلا بالأحداث الرئيسية، كما أنها قابلة للتلف بفعل المرض أو التقدم في السن. ووجه شوبنهاور نظره إلى القدرة على المعرفة، فسجل كونها مجرد وظيفة بسيطة من وظائف الدماغ، لينفي بالتالي أن تكون أساسا لهوية الشخص. وخلص في نهاية التحليل إلى أن الإرادة باعتبارها تمثل الطبع الثابت للشخص هي أساس الهوية الشخصية.
۩ خلاصة المحور: 
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن مسألة الهوية الشخصية تفضي بنا إلى موقفين فلسفيين متعارضين: أولهما يشرط الهوية بالتفكير، وثانيهما يقيم الهوية على الإرادة كقوة تتجسد في الرغبات. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق